الباحث في عـلم الاجتـماع السياسي كرايس الجيلالي لـ ” بلادي نــيوز” : 10 سنوات على ثــورة تـونس والتـغيير لا يـزال بــعيد الــمنــال
السيــاسة الجزائرية اتجــاه تــونس لم تتــغير مــنذ القدم

– حـاوره ف هـ
يـرى أستــاذ علم الاجتـماع السياسي كرايس الجـيلالي ، أن التـغيير الذي خـرج من أجـله التونسيون قـبل 10 ســنوات صـعب ويتطلب الكـثير من الـوقت ، مؤكدا أن الوضع يتجه إلى مزيد من التعقيد خاصة في ظـل الأزمـة السياسية التي تـشهدها تـونس بين رئيس الجمهورية قيس سعـيد ، ورئيس الحكومة التونسية هشــام المـشيشي . وفي قراءة لـه للعلاقات الجزائرية التونسية أكد أن تونس هي الشقيقة الصغرى للجزائر، والسياسة الجزائرية اتجاه تونس لم تتغير منذ القدم، ـ يـضيف نفس المتحدث ـ الذي وصف تـصريحات الرئيس الـتونسي السابق منصف المـرزوقي التي هـاجم فيها الجزائر ، بـاللاحدث.
بعد أكـثر من عشر سنوات من ثورة الياسمين ، ماذا تحقق لتونس بعد الثورة؟
التغيير صعب ويتطلب وقت، وليس من السهل الحديث عن نحاج أي ثورة أو فشله بعد عشرة سنوات، فهي مدة قصيرة جدا لتغيير ارث سنوات طويلة من الدكتاتورية ومن التسلط، تونس توجهها الحداثي والتقدمي منذ الاستقلال إلا أنـها من ناحية الحريات وترسخ الثقافة الديمقراطية فهي حديثة في هذه الممارسات، حيث كرس كل من بورقيبة وبن علي بعده لنموذج الدولة البوليسية والقمعية، التي هيمنت على كل نواحي الحياة، واختصرت الحداثة في أجهزة الدولة القوية والتي تعتمد على القهر والتخويف والسجن في حق كل المعارضين على اختلاف توجهاتهم.
ويرجـع هـذا إلى فكرة الدولة المستوردة التي تم تبينها بعد الاستقلال وشعور الحزب الحاكم في تونس على انه مؤتمن على الحداثة والعصرنة وبذلك وظف هذه الفكرة لقمع المخالفين والنيل منهم، ولذلك فان تغيير هذه العقلية وتجاوزها يتطلب وقتا طويلا خاصة وأن تونس تعيش أزمة اقتصادية مزمنة، وشح في المواد الطاقوية وهي تعتمد على المساعدات والسياحة، وبذلك فان إحداث التغيير المطلوب يقتضي بناء دولة واقتصاد حقيقي يخلص تونس من مشكلة التبعية، التي كانت لسنوات طويلة للغرب واخص بالذكر فرنسا التي لديها تأثير كبير في القرار التونسي الداخلي.
ومشكلة الثورة أنها لم تعيد السلطة للشعب، بل زادت من عدد القوى المأثرة في المشهد التونسي بعد عودة الإسلاميين للسلطة، وما يمتلكونه من تحالفات خارجية خاصة مع تركيا، التي أصبحت لاعب مهم في الساحة التونسية.
ولــهذا فإن التغيير صعب ويقتضي أن تسترجع تونس سيادتها وتتخلص من طبقة سياسة مرتهنة بالخارج، وهي تعمل وفق أجندات خارجية وليس وفق المصالح العليا لتونس، وما تمر به تونس اليوم من تجاذبات بين الرئيس قيس سعيد وبين المشيشي وبرلمان النهضة خير دليل على هذه الحالة من التجاذب المزمن.
لماذا لا يزال الخلاف مستمرا بين الرئيس ورئيس الحكومة والبرلمان ؟
الرئيس قيس سعيد جاء من خارج الطبقة السياسة التقليدية في تونس، ولذلك وجد نفسه تائها بين جناح فرنسا وجناح تركيا، وهذا ما صعب من مهمته التي بدأت في ظل جائحة كورونا وضائقة مالية تعصف بالاقتصاد التونسي الهش، كما أن سعيد لا يمتلك جهة سياسة يعتمد عليها ولذلك هو في مواجهة مع الجميع من أجل سياسة تونسية جديدة يبدو أنها لا تخدم الأجنحة التقليدية في تونس، خاصة بعد سيطرة حركة النهضة على البرلمان وتحالف رئيس الحكومة معها في ظل نظام انتخابي معقد، زاد من صعوبة تشكيل الحكومة وتوحيد سلطة اتخاذ القرار في يد مؤسسة الرئاسة ، مما سيرهن أي مشروع يتقدم به قيس سعيد كرئيس مستقل ولا يريد أن يكون لعـبة في يد التيارات التقليدية وولاءاتها الخارجية.
وحسب رأي فإن الوضع يتجه إلى مزيد من التعقيد، إذ لم تكن هناك تنازلات من طرف الجميع، فالنظام الحالي في تونس يقتضي التعاون بين الحكومة والرئيس أو التوافق على الأقل ، وفي حالة عدم تحقيق التوافق لن يتحرك أي ملف، الرئيس مصر على مواقفه وهو مدعوم من طرف الشعب الذي أوصله إلى السلطة، والمشيشي أيضا مدعوم من طرف البرلمان ولا يمكن تجاوزه بسهولة.
وحسب اعتقادي ، فإن المشكلة تـمكن في طبيعة النظام الانتخابي وكيفية توزيع الصلاحيات بين الرئيس من جهة ورئيس الحكومة والبرلمان من جهة أخرى، وهذا لن يخدم مسيرة التنمية والإصلاح التي تبحث عن الاستقرار السياسي ونوع من التوافق، لان تعطيل تشكيل الحكومة سيلقي بظلاله على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والشارع لن يسكت كثيرا عن حالة التململ التي تحكم العلاقة بين قصر قرطاج وقصر القصبة، وربما الذهاب إلى انتخابات وقبلها إعادة النظر في القوانين الحالية التي تنظم العلاقة بين الرئاسات الثلاثة، حتى نضمن عودة الهدوء إلى البيت التونسي.
كيف تقرؤون واقع علاقات الجزائرية التونسية ؟
تونس هي الشقيقة الصغرى للجزائر، والسياسة الجزائرية اتجاه تونس لم تتغير منذ القدم، فلا تزال الجزائر تهتم للشأن الداخلي التونسي وتحرص على استقرار تونس، وذلك عن طريق سياسة المساعدات التي تنتهجها الجزائر اتجاه تونس في كل الظروف والأوقات، فالجزائر لا تتعامل مع التيارات السياسة الجزائر تتعامل مع الدول خاصة في تونس.
فهناك التزام جزائري اتجاه الشعب التونسي وهذا ما شاهدناه في كل مراحل العلاقة بين البلدين، والقادة في تونس يحرصون على التنسيق مع الجزائر واستشارتها والتوافق معها خاصة في الملفات الخارجية، سواء في عهد النظام السابق أو بعد الثورة، و أي رئيس تونسي يحرص على أن تكون الجزائر هي أولى زياراته الخارجية، وهناك تنسيق وتشاور دائم بين البلدين على مختلف المستويات.
كما أن وتونس تحترم الجزائر وليس لها أطماع في الجزائر وهي تتصرف بحذر وتحرص على لا تتعكر العلاقات بين البلدين مهما كانت طبيعة النظام التونسي وطبيعة تركيبته السياسة، خاصة بعد وصول الرئيس قيس سعيد، والتوافق الكبير الذي حدث حول الأزمة الليبية بين الموقف الجزائري والموقف التونسي، حيث تم رفض التدخل الأجنبي وتفويت الفرصة على تركيا رغم موقف حركة النهضة المتساهل إن لم نقل المرحب بالتواجد التركي في المنطقة، اعتقد أن التوافق التونسي الجزائري خاصة في مرحلة قيس سعيد ورفض التدخل التركي هو الذي سارع في حلحلة الأزمة في ليبيا وانسحاب كل من السراج وحفتر من المشهد، والاتجاه نحوى تسوية النزاع عن طريق تعزيز الموقف الليبي الداخلي في ظل دعم اهم جيران ليبيا تونس والجزائر.
مؤخرا كان هناك تصريحات مسيئة للجزائر من طرف الرئيس التونسي الاسبق منصف المرزوقي ما الذي يدفع بالآخير لذلك ؟
تصريحات المرزوقي لاحدث، وليس لها علاقة لا بالدولة التونسية ولا بالشعب التونسي، المرزوقي كان من افشل رؤساء تونس، وفي عهده أصبح الموقف التونسي أكثر انتهاكا من طرف القوى الخارجية، والمرزوقي خسر الانتخابات مرتين وتم إقصاؤه من طرف الشعب التونسي، وهو اليوم تحول إلى مرتزق ينفذ أجندات أجنبية من خلال القنوات التلفزيونية المحسوبة على الجناح التركي الذي فشل فشلا ذريعا في التموقع في ليبيا، وتقديم الدعم للإسلاميين في تونس وتفجير المنطقة، وإقحامها في الصراعات الخارجية.
المرزوقي قبل أن يهاجم الجزائر وهو متألم من فشل المشروع التركي في المنطقة، كان قد فتح على تونس عدة جبهات بتدخله في الملف المصري عندما وصل إلى السلطة عن طريق توافقات مع حركة النهضة، وتدخله في الملف السوري، وبسبب سياسته الفاشلة ساهم في عودة وجوه النظام السابق للسلطة من خلال حزب نداء تونس وزعيمه باجي قايد السبسي، وطعن الثورة ومخرجاتها في الظهر.
المرزوقي أيضا أصبح يدعم القوى الاستعمارية من خلال انحيازه المفضوح للمغرب على حساب الشعب الصحراوي، ورغم تورط المغرب في التطبيع، لكن أحقاد الرجل الذي خرج مطرودا من المشهد التونسي، وبعد إفشال المشروع التركي في المنطقة من طرف الجزائر، هو الآن يعمل على مهاجمة الجزائر ومحاولة النيل منها وهذا كل ما يستطيع أن يفعله الآن ، العيش كمرتزق، فكل الأطياف في تونس تبرأت من تصريحات المرزوقي الذي خرج عن صوابه وخالف كل الأعراف الدبلوماسية وانحدر إلى مستوى أخلاقي مخيف، أما الجزائر فهي اكبر منه والعلاقات التونسية الجزائرية لا يمكن أن يحددها شخص مغمور مثل المرزوقي.
في حوار. تلفزيوني قال رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي انه ينبغي النظر إلي مثلث الجزائر تونس ليبيا على انه مثلث النمو بالنسبة لتونس … ماذا يعني ذلك ؟
الغنوشي يمارس السياسة وأنا صراحة لا أثق في كل تصريحاته فقبل فترة كان يدعم الوجود التركي في ليبيا، وكاد يعصف بالداخل التونسي من اجل إرضاء حلفائه الأتراك، ولذلك هو الآن يحاول مسايرة الوضع، وإعادة النظر في إستراتيجية النهضة والبحث عن التموقع بعد تبخر الوجود التركي الذي كان سيقدم الدعم للنهضة في تونس ويساعدها على التهام المشهد السياسي التونسي، حتى وان كان ذلك سيؤثر على امن المنطقة.
فأين ما حلت تركيا حلت الفوضى وانتشر السلاح وتكاثرت الجماعات الإرهابية، لكن رغم ذلك لم يمانع اسلاميو تونس التواجد التركي في ليبيا، وحاولوا مساعدة حكومة السراج، ولم يهتموا للصراع الذي كان في ليبيا والذي كان من الممكن أن يعصف بالمنقطة ككل.
وحديث الغنوشي اليوم عن مثلث تونسي جزائري ليبي، هو محاولة لركوب الموجة ولاسترضاء الجزائر بعد أن نجحت في إقناع الليبيين بالعـودة إلى طاولة الحوار وتشكيل سلطة وطنية جديدة وإبعاد السراج حليف تركيا وحليف النهضة، والتحضير لانتخابات رئاسة وبرلمانية ومحلية في اقرب وقت، الغنوشي الذي يعطل تشكيل الحكومة في تونس ويدعم المشيشي على حساب الرئيس سعيد، يسعى إلى تفجير الوضع وعدوة التونسيين إلى الشــارع بسبب تعطل البلاد، ولذلك انأ لا أثق في تصريحات الغنوشي ولا في مواقف النهضة بصفة عامة.
وفي أخر ظهور إعلامي للغنوشي دعا بلاده والجزائر وليبيا إلي فتح الحدود وتبني عملة واحدة ، حيث استبعد كل من المغرب وموريطانيا لماذا ؟
هو يستبق الإحداث واعتقد أن هذه الرؤية هي رؤية جزائرية، طبعا دون استبعاد موريتانيا، فالمغرب ومن خلال التطبيع ومن خلال تحالفه مع واشنطن عبر التويتر قضى على كل فرص قيام الاتحاد المغاربي الذي تحلم به شعوب المنطقة.
فالمغرب تحول إلى عامل تهديد للجزائر وللمنطقة ككل، عن طريق خطواته أحادية الجانب وسعيه إلى التصعيد في منطقة الكركرات، وجلب الكيان الصهيوني إلى المنطقة وجرها إلى المجهول، ولذلك وجب الرد عليه عن طريق عزله وإقصائه من الاتحاد المغاربي لأنه تحول إلى خطر على المنطقة بسبب التطبيع المجاني، أمـا موقف الغنوشي وتصريحاته هي للاستهلاك فقط، وللدفاع وتجميل صورة الحركة التي هي الآن تعمل ضد مصلحة تونس عن طريق سعيه لتفجير الوضع الداخلي من خلال اصطفافها لصالح رئيس الحكومة على حساب الرئيس قيس سعيد.
فالمــنطقة بحاجة إلى الهدوء و التوافق ، والنهضة ممثلة في رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي تعمل عكس هذا التوجه، ولذلك تصريحات الغنوشي مجرد فقاقيع صابون وموجهة للاستهلاك ولا تعكس قناعات الحركة ولا مشروعها في المنطقة.
لماذا لا يزال مشروع الاتحاد المغاربي معطل ؟
الأمر معقد ومشكلة العرب أنـهم أصحاب شعارات حماسية فقط، ولا صلة لها بالواقع، منذ إعلان الاتحاد المغاربي كل ما شاهدناه عـبارة عن اجتماعات وتصريحات وشعارات، لكن لا شيء على الارض الواقع، والأسباب متعددة، منها ضعف أنظمة المنطقة والتدخلات الأجنبية والإرث الاستعماري مشاكل الحدود، وتقديم الأنظمة لمصالحها الخاصة على حساب مصالح شعوب المنطقة، قضية الحدود والتحالفات الخارجية، ضعف الاقتصاديات المغاربية، وعدم قدرتها على الاتحاد، فالاتحاد يعني التكامل ويعني الاستثمار في عناصر القوة.
بالإضافة إلى كـل هذا تباعد المواقف خاصة بعد التطبيع المغربي الصهيوني وقضية الصحراء الغربية وتباعد وجهات النظر حولها بين أطراف الصراع، الأزمة الليبية والعديد من المتغيرات التي تجعل الوحدة حلم صعب المنال ويقتضي إصلاحات عميقة وقيام أنظمة شرعية وتعكس الإرادة الشعبية إضافة إلى التخلص من التبعية للخارج ورفض التدخل الأجنبي على حساب مصالح الدول المغاربية، الاتحاد مشروع جيد لكن الذهاب إليـه يتطلب خطوات جادة وإصلاحات عميقة وتصالح بين الأنظمة وشعوبها وبين الأنظمة نفسها، ولذلك من الصعب اليوم الحديث عن اتحاد مغاربي أو التفاؤل بالاقتراب منه على الأقل في الفترة الحالية التي تعتبر من اخطر المراحل التي تمر بمها المنطقة.